ذكرى استشهاد الامام الكاظم (عليه السلام)

0

النشأة المباركة للامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

درج الامام في طفولته وصباه يتفيأ ضلال النبوة ، ويتغذي روح الايمان ، وأدرك من حياة أبيه الامام الصادق (عليه‌السلام) عشرين عاما ، ينتهل رافد معارفه ، ويغترف من بحر علمه الهادر ، وابتهج به أبوه ابتهاجا عظيما وهو يافع يحتضن الفكر الناهض ، وينطلق الي الهدف الرائد ، حتي قال أبوه : الحمد لله الذي جعلك خلفا من الآباء ، وسرورا من الأبناء ، وعوضا عن الأصدقاء .. وتمثلت في الامام الأصالة منذ صغره ، وعرف بالشمم والاباء وهو صبي يافع ، وذاع صيته في الآفاق مبكرا ، وسرت هيبته في الأنظار والقلوب ، واعتمرت الضمائر بمحبته حتي قال أبونواس.

((ا أبصرتك العين من غير ريبة

وعارض فيك الشك أثبتك القلب

ولو أن ركبا أمموك لقادهم

نسيمك حتي يستدل بك الركب

 جعلتك حسبي في أموري كلها

وما خاب من أضحي وأنت له حسب ))

والظاهرة الجديرة بالاهتمام أن الامام كان منذ صباه يتمتع بحياة عقلية نيرة ، يعي المسائل بفكر ثاقب ، ويجيب السائل بادراك متوهج ، حتي كان مثار اعجاب العلماء والفقهاء ، وقد تحدثوا عن ذلك بشكل مدهش ينم عن الاعجاب والاكبار.

فقد روي الاربلي عن أبي‌حنيفة امام المذهب الحنفي قوله :

رأيت موسي بن جعفر وهو صغير السن في دهليز أبيه ، فقلت: أين يحدث الغريب منكم اذا أراد ذلك؟ فنظر الي ثم قال : يتواري خلف الجدار ، ويتوقي أعين الجار ، ويتجنب شطوط الأنهار ومساقط الثمار ، وأفنية الدور والطرق النافذة والمساجد ، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، ويرفع ويضع بعد ذلك حيث شاء.

قال : فلما سمعت هذا القول نبل في عيني ، وعظم في قلبي ، فقلت له : ممن المعصية؟ فقال : ان المعصية لابد أن تكون من العبد ، أو من ربه ، أو منهما جميعا. فان كانت من الله (تعالي) ، فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ، أو يؤاخذه بما لم يفعله ، وان كانت منهما فهو شريكه. والقوي أولي بانصاف الضعيف. وان كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر ، واليه توجه النهي ، وله حق الثواب والعقاب ، ووجبت الجنة والنار

** قال أبوحنيفة: فقلت: ذرية بعضها من بعض.

وهذه الاجابة في شطرها الأول بدا بها الامام في صباه فقيها ناطقا بالسنة ، وصادعا بالافتاء ، وفي شطرها الثاني بدا متكلما نزه الباري عن الظلم والقبح العقلي ، ودحض نظرية الجبر والتفويض. وليس عجيبا أن ينطلق الامام متهاديا بهذا المستوي الرفيع في سن مبكرة. فللنشأة أثرها في المعرفة والادراك والتمييز ، وللتربية الفذة ثمارها في الوعي والدراية المتنورة ، وخصائص الامام ـ باعتباره معصوما ـ تبدو متكاملة في ظل مواهبه وعصمته ، وهي مزيج بين ملكته الراسخة التكوينية وبين عبقرياته المتعددة. وبعد هذا فحديثه حديث أبيه ، وحديث أبيه حديث جده ، وحديث جده حديث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، ورسول الله هو المشرع الأعظم ، وكفي بذلك شرفا..

——————————-

الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ضحية الإرهاب السياسي.( ص 20)

الدكتور محمد حسين علي الصغير

DEJA UNA RESPUESTA

Escribe tu comentario
Escribe tu nombre aqui

Este sitio usa Akismet para reducir el spam. Aprende cómo se procesan los datos de tus comentarios.