مناهضة التمييز في الإسلام

0

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»

إنّه حديث إلهي عن التنوّع والتمايز الذي يريد الله تعالى من خلاله الملتقى

التعارفي بين الناس من أجل تكامل الإنسانية من دون أن يؤدّي ذلك إلى التمييز بينهم, والذي ينحصر في نظرة الله تعالى في عنوان واحد هو «التقوى».فقد رفض الإسلام أنواعاً كانت وما زال العديد منها عنواناًَ للتمييز السلبي بين الناس, وهذا ما نعرضه في العناوين الآتية:

1ـ التمييز بالجنس:

كان الجاهليون يميّزون بين الذكر والأنثى بأبشع أنواع التمييز الذي يعبِّر عنه القرآن الكريم:وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ . وكانوا انطلاقاً من هذه النظرة يقترفون أبشع أنواع الجرائم التي يعبّر عنها القرآن الكريم بقوله: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ . وكانوا يتبرأون من نسب بناتهم معبِّرين عن ذلك في أشعارهم:

بنونا بنو أبنائنا وبنو بناتنا أبناء الرجال الأباعد وجاء الإسلام ليرفع هذا التمييز البغيض, وليعطي القيمة المعنوية للأنثى في المجتمع, فتعبيراً عن النظرة الإلهية قال الله تعالى: «اَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ

أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ» وورد في السنّة النبوية ما يعبِّر عن قيمة الأنثى ومكانتها في حياة الأسرة,

فعن رسول الله(ص):

– البنت في البيت رحمة.

– خير أولادكم البنات .

– نعم الولد البنات المخدّرات, من كانت عنده واحدة, جعلها ستراً من النار .

– من دخل السوق فاشترى تحفة, فحملها إلى عياله, كان كحامل الصدقة

إلى قوم محاويج, وليبدأ بالإناث قبل الذكور.

2ـ التمييز باللون:

إنّه التمييز العنصري الذي عانى منه العالم قديماً وما زال يعاني منه أصحاب البشرة السوداء في كثير من بلدان العالم والكثير منها من العالم الذي يُسمّى بالأول. وقد رفع الإسلام منذ بداية الدعوة شعار «لا فرق بين أسود وأبيض إلا بالتقوى». ومن المشهور في سيره -رسول الله(ص)- أنه جعل المؤذّن الأول, وصاحب نداء التوحيد الإلهي بلال الحبشي الأسود البشرة. وفي كربلاء ترددت كلمة جون الأسود خارقة جدران التاريخ حينما وضع الإمام الحسين(ع) خدّه على خدّه وهو يشارف عتبة الشهادة :»من مثلي وابن رسول الله واضع خدّه على خدّي».

قال المستشرق النمساوي(1884-1956) أوبرمان جوزيف في كتابه مهد الإسلام: إنّ سيرة محمد(ص) من أشقى الأمور على الدارس أو الباحث؛ لأنَّ نبوغه من النوع المركّب الغريب, فهو بحقّ أول من أنهى التفرقة العنصرية في قول بسيط شامل «المسلم أخو المسلم». لقد حلّ القضية بثلاث كلمات. أمّا اليوم فمشكلة العنصرية انعقدت بشأنها عشرات المؤتمرات ومئات الكتب دون جدوى, ويقيني أنّ الحلّ لن يأتي إلا في القرن القادم, ولكن محمّداً حلّها

منذ ثلاثة عشر قرناً.

3ـ التمييز بالموقع:

اعتبر الإسلام أنّ المسؤولية عامة «كلكّم راعٍ, وكلّكم مسؤول عن رعيته» كما اعتبر أنَّ الموقع ليس مدعاة للتمييز الطبقي. فقد كان الرجل يأتي للقاء رسول الله، وحينما يدخل مجلسه لا يتعرّف عليه؛ لأنّه لم يكن يتمايز لا بالمجلس ولا بالثياب ولا بشيء آخر.

4ـالتمييز بالملك:

إضافة إلى إرشادته الكثيرة كسر رسول الله(ص) حاجز التمييز بالمال عملياً في عدّة مواقف، منها أَمرُه بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار حيث دفع الأنصار الأغنياء نصف أموالهم إلى المهاجرين الفقراء. وكسر ذلك بأمره الأغنياء أن يزوّجوا بناتهم بالفقراء. ومن جميل ما يُروى في التربية النبوية قصّة ذلك الغني الذي جلس قربه فقير في محضر رسول االله(ص), فإذا بالغنيّ يحمل رداءه ويبعده عن الفقير, فزجره رسول الله(ص) بسبب ما فعله, فقال الغني مريداً تصحيح خطئه أمام رسول الله(ص): وهبته نصف مالي, لكن الفقير رفض ذلك, وحينما سئل عن رفضه, قال: أخاف إن أخذت نصف ماله أن يدخلني ما دخله.

5ـ التمييز بالعرق:

رفع النبي(ص) في بداية الدعوة أيضاً شعار :» لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى» وقد طبّق (ص) ذلك في سلمان الفارسي حينما رفع مقامه قائلاً :»سلمان منّا أهل البيت» . وقد عبّر عن هذه القيمة الشعر المنسوب لأمير المؤمنين(ع): لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسبِ فقد رفع الإسلام سلمان فارسٍ وقد وضع الشركُ الشريفَ أبا لهبِ

بناءً على ما تقدّم حذّر الإسلام من احتقار أحد بناء على المظهر والموقع والعرق واللون وما شاكل. فعن الإمام علي(ع):» إنّ الله أخفى اثنين في اثنين, أخفى أولياءه في عباده, فلا تدري حينما تلقى أيّهم وليّاً لله«.

وفي حديث آخر :»أخفى أولياءه بين عباده, فلا تحقِّرن من عباده أحداً».

بل رسم الإمام علي(ع) قاعدة للتعامل بين الناس بتصنيفه لهم :»أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».وقد مارس (ع) هذا الأمر في حياته, فقد كان يصاحب في سفر له أحد النصارى, وفي الطريق أخبره(ع) بوجهة سفره, لكنّ الإمام(ع) حينما وصل إلى مفترق الطريق أكمل مسيرته

مع صاحبه المسيحي, فالتفت المسيحي إلى ذلك سائلاً الإمام(ع) عن سبب عدم ذهابه في الطريق التي عبراها فأجاب (ع) بأنّ من آداب الصحبة أن يشيّع الصاحب صاحبه.

المصدر: مع قيم الاسلام

DEJA UNA RESPUESTA

Escribe tu comentario
Escribe tu nombre aqui

Este sitio usa Akismet para reducir el spam. Aprende cómo se procesan los datos de tus comentarios.