المسجد النبوي أو مسجد النبي:
یقع في المدينة المنورة، وهو ثاني أقدس مکان في الإسلام بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة، وهو واحد من أهم مزارات المسلمين، والمسجد النبوي بناه رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم بعد هجرته بجانب بيته. كما مرّ المسجد بعدّة توسعات عبر التاريخ. وكان للمسجد دور كبير في الحياة السياسية والاجتماعية، فكان بمثابة مركز اجتماعي، ومحكمة، ومدرسة دينية، يقع المسجد في وسط المدينة المنورة، ويحيط به العديد من الفنادق والأسواق القديمة.
أسماء المسجد:
لمسجد النبي أسماء كثيرة قد اشتهر بها، منها:
المسجد الكبير في المدينة.
مسجد الرسول.
المسجد النبوي.
مسجد المدينة المنورة.
مسجد النبي وهو الأكثر شهرة، فقد بناه النبيصلی الله عليه وآله وسلم وصلى فيه، ووسع أنشطته السياسية والاجتماعية، كما أنّ النبيصلی الله عليه وآله وسلم قال عنه في بعض الروايات أنه (مسجدي). بالإضافة إلى ذلك، فإنّ بيت النبي الذي كان مكان دفنه جعل حركة الوافدين إليه مستمرة إلى يومنا هذا.[1]
موقعه الجغرافي:
يقع المسجد النبوي في الجزء الأوسط من المدينة المنورة، في المملكة العربية السعودية. ويعتبر أحد معالم الحرم النبوي.[2]
مكانته وأهميته:
جاءت الكثير من الأحاديث النبوية تُبيّن فضل المسجد النبوي، ومكانته عندهم، ومن ذلك:
أنه أحد المساجد الثلاثة التي لا يجوز شدّ الرحال إلى مسجد إلا إليها، كما ورد عن النبيصلی الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ : مسجدِ الحرامِ، ومسجدِ الأقصَى، ومسجدي هذا».[3] عن الإمام الصادق (ع) قال : «قال رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم : الصلاة في مسجدي كألف في غيره إلا المسجد الحرام فإنّ الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في مسجدي».[4] فيه جزء يُسمى بـ «الروضة المباركة»، يقول فيها النبي (ص): «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي».[5]
أن من جاءه بهدف التعلم فهو كالمجاهد في سبيل الله، كما قال النبيصلی الله عليه وآله وسلم: «من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلّمه أو يعلّمه فهو بمنزلة المجاهدين في سبيل الله، ومن جاء بغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره».[6]
تاريخه:
في عهد النبي (ص)
في الهجرة النبوية، وعندما قدِم النبي محمدصلی الله عليه وآله وسلم المدينة المنورة، بركت ناقته في الموضع الذي كان الأنصار يصلّون فيه، وقال: «هذا المنزل إن شاء الله»، فأسّس النبي محمدصلی الله عليه وآله وسلم المسجد في شهر ربيع الأول سنة 1 هـ.[7]
وكانت أعمدة المسجد من جذوع النخل وسقفه من الجريد (أغصان النخيل)، وأساسه من الحجارة، وجداره من اللبن (الطوب النيء الذي لم يُحرق بالنار)، وجعل وسطه رحبة (ساحة). وكان النبي محمدصلی الله عليه وآله وسلم يبني معهم بنفسه، ويحمل الحجارة واللبن. [8]
وجعل للمسجد 3 أبواب: باب الرحمة ويُقال له باب عاتكة (في جهة الغرب)، وباب عثمان ويُسمى الآن باب جبريل الذي كان يدخل منه النبي محمد (في جهة الشرق)، وباب في المؤخرة (في جهة الجنوب)، وجعل قبلة المسجد لبيت المقدس، ولما تحوّلت القبلة للكعبة في السنة 2 هـ، سُدّ الباب الذي كان في المؤخرة وفُتح باب في مواجهته في الجهة الشمالية. وكذلك بنى بيتين لزوجتيه عائشة بنت أبي بكر وسودة بنت زمعة.[9]
وبعد غزوة خيبر في شهر محرم سنة 7 هـ، وبسبب ازدياد أعداد المسلمين في المدينة نتيجة الهجرة إليها حتى ضاق المسجد النبوي بالمصلين، عندها قرر النبي محمدصلی الله عليه وآله وسلم زيادة مساحته، فزاده فعلاً .[10]
احتراق المسجد:
في ليلة الجمعة من شهر رمضان سنة 654 هـ احترق المسجد النبوي الحريق الأول، عندما دخل أحد خدام المسجد في المخزن في الجانب الغربي الشمالي لاستخراج القناديل لمآذن المسجد، فترك الضوء الذي معه ونسيه، فاشتعلت النيران وعلا اللهب، واجتمع غالب أهل المدينة المنورة فلم يقدروا على إطفائها، فاستولى الحريق على جميع سقف المسجد، وتلف جميع ما احتوى عليه المسجد من المنبر النبوي والزخارف، والأبواب والخزائن والشبابيك والصناديق وما اشتملت عليه من كتب وكسوة الحجرة، وكان عليها إحدى عشرة ستارة، ووقع كذلك بعض سقف الحجرة. بعد ذلك أمر الخليفة العباسي المستعصم بالله بإعادة إعمار المسجد سنة 655 هـ.[11]
أماكن وأجزاء المسجد:
حجرة ومرقد النبي(ص)
وهي البيت التي سكنها النبي محمدصلی الله عليه وآله وسلم مع أزواجه أمهات المؤمنين، فعندما قدِم النبي إلى المدينة المنورة، بنى مسجده وبنى حجرتين لزوجتيه عائشة وسودة، ولما تزوّج بقية نسائه، بنى لهنّ حجرات، [12] وكانت هذه الحجرات مطلّة على المسجد من جهة القبلة والمشرق والشمال، مبنيّة من اللبن وجريد النخل. ولما قام عمر بن عبد العزيز بتوسعة المسجد، هدّم الحجرات النبوية وأدخلَها في المسجد إلا حجرة عائشة، والتي يُعبّر عنها الآن بـ «الحجرة النبوية الشريفة»، وهي البيت الذي كان يسكن فيه النبيصلی الله عليه وآله وسلم مع زوجته.
بيت السيدة فاطمة(ع)
بيت السيدة فاطمةعليها السلام ، خلف بيت عائشة في نهاية الجدار الغربي للحجرة النبوية، الموجودة في القسم الجنوبي الشرقي للمسجد، ووضعت شبكة من حديد تفصل بين بيتي فاطمة الزهراءعليها السلام، وعائشة بنت أبي بكر، فصارت المساحة الموجودة في الجهة الشمالية كأنّها مستقلة.[13]
أبواب المسجد:
في عهد النبي (ص) كان للمسجد ثلاثة أبواب: باب في المؤخرة، وباب عاتكة (ويُقال له باب الرحمة)، والباب الذي كان يدخل منه (ويُقال له باب جبريل). ثم عندما أُمر المسلمون بتحويل القبلة إلى الكعبة، سُدّ الباب الخلفي، وفُتح باب آخر في الجهة الشمالية. وعند توسعة المسجد في عهد عمر بن عبد العزيز، أصبح للمسجد عشرين باباً: ثمانية في الجهة الشرقية، وثمانية في الجهة الغربية، وأربعة في الجهة الشمالية. وبعد التوسعة السعودية الأولى سنة 1375 هـ، أصبح للمسجد عشرة أبواب بعد أن زيد باب الصديق، وباب سعود، وباب الملك عبد العزيز، وباب عمر، وباب عثمان. وفي عام 1987م، فُتح باب البقيع في الجدار الشرقي، بذلك ارتفع عدد الأبواب إلى إحد عشر باباً. وبعد التوسعة السعودية الثانية أصبح خمسة منها داخل مبنى التوسعة الجديدة، وصار عدد المداخل الإجمالي إحدى وأربعون مدخلاً، بعضها يتكون من باب واحد، وبعضها من بابين ملتصقين وثلاثة أبواب وخمسة أبواب متلاصقة، فيصير العدد الإجمالي خمسة وثمانون باباً.[14]
مآذن المسجد:
لم يكن في عهد النبيصلی الله عليه وآله وسلم أيّ مآذن، ولا في عهد الخلفاء. وكان أول من أحدثها في المسجد النبوي هو عمر بن عبد العزيز أثناء توسعته عام 91 هـ، فقد بنى للمسجد أربعة مآذن في كل زاوية من زواياه. وكان طول هذه المآذن حوالي 27.5 متراً، وعرضها 4×4 م. وفي عهد السلطان عبد المجيد الأول أصبحت خمسة مآذن[15].
منبر النبي(ص)
ورد ذكر المنبر في كلام النبيصلی الله عليه وآله وسلم حينما قال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعةٍ مِن ترع الجنة»،[16] حيث كان النبي صلی الله عليه وآله وسلم يخطب من على جذع نخلة ثم صُنع له المنبر، فصار يخطب عليه. وأقيم بعد الجذع مكانه أسطوانة تعرف بالإسطوانة المخلّقة أي: المطيبة. ولحرمة هذا المنبر جعل النبي صلی الله عليه وآله وسلم إثم من حلف عنده -كاذباً- عظيماً، حيث قال: «لا يحلِفُ رجلٌ على يمينٍ آثِمَةٍ عند هذا المنبر إلا تبوَّأ مَقعدَهُ من النار».[17]
محاريب المسجد
يحتوي المسجد النبوي الشريف على ستة محاريب موزعة على أرجاء المسجد وهي: [18]
المحراب النبوي الشريف في الروضة الشريفة ويقع المحراب على يسار المنبر.
المحراب العثماني في حائط المسجد القبلي وهو الذي يصلي فيه الإمام الآن.
المحراب السليماني وكان يعرف بالمحراب الحنفي وهو غربي المنبر.
محراب فاطمة ويقع جنوبي محراب التهجد داخل المقصورة الشريفة.
محراب التهجد يقع شمال الحجرة الشريفة وخلف حجرة فاطمة خارج المقصورة الشـريفة.
محراب شيخ الحرم ويقع خلف دكة الأغوات أحدث في العمارة المجيدية.
القبة النبوية
يُوجد قبتان مبنيّتان على الحجرة النبوية، الأولى قبّة كبيرة خضراء اللون تظهر على سطح المسجد، وقد بناها السلطان قلاوون الصالحي، وأعاد السلطان قايتباي بناءها، والثانية قبّة صغيرة بُنيت تحت سقف المسجد، وقد بناها السلطان قايتباي بدلاً من السقف الخشبي الذي كان موجوداً.[19]
القبة الأولى: القبة الخضراء الخارجية في سنة 678 هـ أمر السلطان قلاوون الصالحي ببناء قبّة على الحجرة النبوية، فعُملت قبة مربعة من الأسفل مثمّنة من الأعلى بأخشاب أُقيمت على رؤوس السواري المحيطة بالحجرة النبوية، وفي عهد السلطان قايتباي، وعندما احترقت القبة أثناء الحريق سنة 886 هـ، أمر بتبديل القبة الخشبية بأخرى من آجر.
ثم بعد مدة ظهرت شقوق في أعلى القبة، فأمر بهدم أعالي القبة وإعادة بناءها من جديد بدلاً من الترميم، وذلك عام 892 هـ. وفي عهد السلطان محمود بن عبد الحميد خان، حدث تشقق آخر في أعلى القبة، فأمر بتجديدها، فهدم أعلاها وأعاد بناءها، وأمر السلطان محمود بصبغها باللون الأخضر، وكان لونها قبل ذلك أزرقاً، فصارت تُسمّى بـ «القبة الخضراء»، بعد أن كانت تُعرف بـ «القبة البيضاء» و»القبة الزرقاء» و»القبة الفيحاء».[20]
القبة الثانية: قبة الحجرة الداخلية عندما أنهى السلطان قايتباي ترميماته للمسجد سنة 881 هـ، قبل الحريق قام باستبدال السقف الخشبي للحجرة النبوية بقبة صغيرة تحت سقف المسجد، فعقدوا القبة على الجهة الغربية بأحجار منحوتة من الحجر الأسود وكمّلوها من الحجر الأبيض، ونصبوا بأعلاها هلالاً من نحاس.[21]
الهوامش
1ـ محمد الریشهري، حكم النّبيّ الأعظم، ج 6، ص 376.
2ـ رفعت باشا، مرآة الحرمين، ص 448.
3ـ محمد الریشهري، حكم النّبيّ الأعظم، ج 6، ص 376.
4ـ زين الدين العاملي، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، ج 2، ص 157.
5ـ الخوارزمي، إثارة التّرغيب والتّشويق، ج 1، ص 327.
6ـ محمد الریشهري، رسالة المسجد، ج 1، ص 61.
7ـ الطبري، تاريخ الطبري، ج 2، ص 246.
8ـ الحضرمي، حدائق الأنوار ومطالع الأسرار، ج 1، ص 256.
9ـ بوابة الحرمين الشريفين – أبواب المسجد النبوي
10ـ ياسين الخياري، تاريخ معالم المدينة المنورة، ج 1، ص 78.
11ـ السمهودي، وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، ج2، ص 150.
12ـ البكري، تاريخ الخميس، ج 2، ص
13ـ محمد إلياس، تاريخ المسجد النبوي الشريف، ص 109.
14ـ محمد إلياس، تاريخ المسجد النبوي الشريف، ص 136.
15ـ .بوابة الحرمين الشريفين.
16ـ محمد الريشهري، الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة، ج 1، ص251.
17ـ ابن سعد، الطبقات الكبري، ج 1، ص 195.
18ـ محمد إلياس، تاريخ المسجد النبوي الشريف، ص 103-109.
19ـ محمد إلياس، تاريخ المسجد النبوي الشريف، ص 188.
20ـ محمد إلياس، تاريخ المسجد النبوي الشريف، ص 188.
21ـ محمد إلياس، تاريخ المسجد النبوي الشريف، ص 188.